بدأ شعراء الشباب من الأجيال الحديثة في أدب الغناء الشايقي يخرجون القصيدة في ثوب السودان لتتجمل بالطمبور وآلياته المختلفة من طبلة وصفَّاقين أو (كورَس) كما يطلق عليهم....
وبدأ الشعراء أمثال خالد شقوري والفاتح ابراهيم بشير وحاتم حسن الدابي والحبيِّب وعلاء الدين ابو سير وغيرهم من الشعراء الشباب الذين كان لهم بعض الفضل في انتشار الأغنية الشايقية على نطاق واسع جداً وذلك لسهولة هضمها من خلال استخدامهم للتعابير العامة التي لا توغل في محلية الريف مما جعل فهمها سهلاً وميسراً... وحاول هؤلاء الشباب من خلال أشعارهم ترسُّم خطى من قبلهم في هذا الشأن فاختاروا شيئاً من قضايا الحاضر وتناولوها كل بطريقته....
فكانت رائعة علاء الدين اب سير (حبي ليك كان زادي) بما تحمله من شجن الاحساس بالخيانة وتعقب خطى الحبيب والإدراك المتأخر لماهية الانتهازية وإضاعة الوقت فيمن لا يستحق...
حبي انا ليك كان زادي
وكان جوة الحنايا دفين
كت بضاري من الناس وخايفة عليهو من العين
كت بحسب سنين الغربة لما تعود تجيني متين
كت برجاك فوق النار لما وقت لقانا يحين
.... استدراك لظاهرة جديدة بين الشباب وهي ظاهرة (الاغتراب) وقد تناولها الشاعر علاء الدين في أكثر من قصيدة وبأكثر من بعد ـ علَّ المساحات والزمن تسمح لنا بتناولها ـولكنها هنا مطروقة كظاهرة تجسم البعد والاحساس بالبعد والمعاناة التي تولدها الغربة في نفس الحبيبة.... وربما الحبيب أيضاً... ولكنه في نموذجنا هذا لا يحفل بها ولا يهتم ....
أما الشاعر خالد شقوري فقد كانت رائعته (حواء) والتي تناولت في اسلوب قصصي مؤثر ما يمكن أن نطلق عليه (الظلم الاجتماعي ) أو (القهر الانساني) أو (الهامش) كمصطلح دارج الآن (موضة يعني) ،،،، حواء هذه نموذج للفتاة المغلوبة على أمرها ولا معين لها سوى نفسها وبعض من إيمان وعزيمة.... في محاولتها لمصارعة ظروفها القاسية..
ماسكي طرف الثوب تخيط والدموع تنزل هميله
كان متاكي الباب وخايفي من ابوها يشوف حويله
مالعليهو هو ماهو هين كيف تعل روحو العليله
إحساس متناغم تعطيك إياه هذه الأبيات وشعور بالقهر عميق وصور إنسانية بديعة التصوير
حوا قالت داير تاكل لو لقت لها لقمه نيه
قالوا ليها ان دايري تاكلي اكلي في خاطرك شويه
اضحكيلم وابسميلم تلقي بدل القمه ميه
حوا قالت دايره تغمد لو حلم بالفرحه طافه
قالو ليها الدايري تغمد الا في صدر السخافه
وهذا هو الوهن الذي أصاب جسد المجتمع السوداني ولم يعد كما كان كالجسد الواحد والجار للجار والأخ لأخيه بل ولمن لا يعرفه ايضاً .... ولكن هنا نصائح ممن اتقنوا صناعة الرذيلة (أضحكيلم وابسميلم تلقي بدل اللقمة مية) أي هوان وأي تصدع اصاب هذا المجتمع (النظيف) باعت النساء شرفهن لقاء لقمة أو بعض من (كسرة) تسد به رمق الصغار فاتحي الأفواه الذين ينتظرونها غير عالمين بما تفعل لتأتي بما يقتاتو به.....
حتى حرية الحلم لم تعد متاحة لحوا ( قالو ليها الدايرة تغمد إلا في صر السخافة) عليها إذن أن (تجاري الموجة) وتفعل ما تفعله الساقطات لتعيل نفسها أو اخوتها أو أبنائها أياً من كان ......
سوت الشاي للعطالي ماجنت غير الرزاله
حامت الحلات تغسل شالو ناس الحله حاله
مدت الايد للعمايه ختو في ايدينه لالا
قنبت في ضل مصغر سارحة تلتق في نعالة
حتى (ست الشاي) لم تسلم من أذى يجتر أذياله إليها والنظرة الاجتماعية الضيقة والعقل الجمعي المتصاغر يصوِّر كل (ستات الشاي) عاهرات باحثات عن المتعة الحرام ليس إلا مما يجعلهن عرضة لكل متسكع عاطل ... وربما هي تتقطع ألف مرة وهي تفترش الأرض عارضة (كفتيرة الشاي) لأمثال هؤلاء ولكن من يرحمها ومن يجيرها إن لم تفعل من أين يأكل من في البيت وكيف تعيلهم وذاك المريض الذي جأر بمر الشكوى في سرير المرض عله يجد طريقاً للشفاء ولا مجيب ......
حوا ماتت لما ماتت امها وكانت طفيله
ماتت لما ابوها روحو دقت بوق رحيله
وماتت الف مره لما سلبوها الفضيلة
هذه خاتمة المأساة ونذير الشؤم الذي يحذرنا مما يجري ويدق ناقوس الخطر ... وهذا هو دور الشاعر
الموضوع منقول من موقع النيلين